العالمبودكاستفيديو

ولاية ألاسكا.. تنازلت عنها الإمبراطورية الروسية واشترتها أميركا

أكبر ولاية في الولايات المتحدة الأميركية، انضمت إليها بعقد بيع تنازلت عنها بموجبه الإمبراطورية الروسية مقابل 7.2 ملايين دولار، وهي منطقة شاسعة مليئة بالثروات المعدنية، ومنها الذهب والنفط، وتطالب موسكو بضمها إلى سيادتها.

الموقع

لا تقع أكبر ولاية أميركية داخل جغرافيا الولايات المتحدة، بل تنزوي منعزلة عن دولتها في صقيع شمال غرب كندا على مسافة نحو 82 كيلومترا فقط من الأراضي الروسية، بينما تفصلها عن الشمال الأميركي مسافة 800 كيلومتر من الأراضي الكندية.

ولا تجاور ألاسكا أي ولاية أميركية ولا تشترك مع أي من أخواتها في مياه إقليمية، ولكنها تشترك مع كندا في حدود يبلغ طولها 2500 كيلومتر، كما أن لها حدودا بحرية مع روسيا من جهة الغرب، إذ يفصلهما مضيق بيرينغ ولا تبعد عن الأراضي الروسية بأكثر من 82 كيلومترا، بل إن جزيرتي ديوميد الصغرى والكبرى الروسيتين لا تفصلهما عن ولاية ألاسكا أكثر من 4 كيلومترات.

وفي الشتاء القارس الذي يعم هذه المنطقة القريبة من سيبيريا تتجمد المياه ويختفي الخط المائي الفاصل بين الأراضي الأميركية والروسية.

المساحة والسكان

تزيد مساحتها على 1.5 مليون كيلومتر مربع، بما يساوي خُمس بقية مساحة سائر الولايات المتحدة.

يسكنها نحو 733 ألف نسمة في إحصاء عام 2023 لتكون الأولى في المساحة، والتاسعة والأربعين في ترتيب الولايات الأميركية في إحصاءات عدد السكان.

أغرب صفقات التاريخ

أرسل القيصر الروسي بطرس الأكبر عام 1725 بعثة لاستكشاف ساحل ألاسكا بقيادة الدانماركي “فيتوس بيرينغ”، الذي كان يعمل في البحرية الروسية آنذاك، إذ كانت الإمبراطورية الروسية مهتمة بتلك المنطقة لما تخبئه من موارد طبيعية، لكنها سرعان ما أصبحت محط أنظار الولايات المتحدة التي كانت تتوسع غربا في أوائل القرن الـ19، حيث وجد الأميركيون أنفسهم في منافسة مع التجار الروس في تلك المنطقة.

كانت الإمبراطورية الروسية تفتقر للموارد اللازمة لدعم مستوطناتها الكبرى أو وجودها العسكري في تلك المناطق الواقعة على طول ساحل المحيط الهادئ، ولا سيما بعد هزيمة الروس في حرب القرم، وكان السكان الروس في تلك المناطق لا يتجاوز عددهم 400 نسمة، مما زاد من قلق الإمبراطورية الروسية بشأن إمكانية السيطرة على ألاسكا، خاصة مع تخوفها من وقوع هجمات مباغتة للأسطول البريطاني الضخم تحرمها من ألاسكا بلا أي مقابل.

تلك الهواجس مجتمعة دفعت الإمبراطورية الروسية إلى اتخاذ قرار بيع ألاسكا للولايات المتحدة عام 1859م، ولكن المشتري لم يكن مستعدا وتوقفت الصفقة بسبب توترات المشهد في الولايات المتحدة بين ولايات الشمال الأميركي “الاتحاد الفدرالي” وولايات الجنوب “الكونفدرالي” ثم الحرب الأهلية بين عامي 1861م و1865م في عهد الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن.

ولكن ما إن انتهت الحرب باستسلام الكونفدراليين وإعلان قانون “إلغاء العبودية” وشمول الاتحاد الفدرالي جميع الولايات الأميركية، حتى سارعت الولايات المتحدة إلى مراجعة صفقة شراء ألاسكا من الإمبراطورية الروسية لتأخذها بمبلغ 7.2 ملايين دولار يوم 30 مارس/آذار 1867م، بعد مفاوضات بين وزير الخارجية الأميركي ويليام سيوارد والسفير الروسي في الولايات المتحدة إدوارد دي ستويكل.

وافق مجلس الشيوخ الأميركي يوم 9 أبريل/نيسان 1867م على صفقة الشراء، ووقع عليها الرئيس الأميركي أندرو جونسون يوم 28 مايو/أيار من العام نفسه، وانتقلت ألاسكا رسميا إلى الولايات المتحدة يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول 1867، وبذلك انتهى الوجود الروسي في أميركا الشمالية، وتمكنت الولايات المتحدة من الوصول إلى الحافة الشمالية للمحيط الهادئ.

ألاسكا لم تحظ باهتمام الحكومة الفدرالية الأميركية على مدى 3 عقود بعد شرائها، إذ بقي شكل الحكم فيها متأرجحا وغير مستقر أملا في إيجاد صيغة لفرض قوانين التعدين الأميركية في المنطقة، وفي عام 1884 شُكلت أول حكومة مدنية فيها، مما مثل بداية لتكوين شكل الحكم فيها، ومع اكتشاف الثروات المكنونة في ألاسكا بدأت تحظى باهتمام الحكومة الفدرالية تدريجيا، حتى أعلنت ولاية أميركية يوم 3 يناير/كانون الثاني 1959.

روسيا.. يقظة متأخرة

وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم 17 يناير/كانون الثاني 2024 مرسوما بتخصيص أموال للبحث عن الممتلكات الروسية في الخارج وتسجيلها وحمايتها، بما فيها تلك التي تنازلت عنها الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفياتي، وتتضمن قائمة من المناطق والأقاليم في أوروبا الوسطى والشرقية ومناطق في الدول الإسكندنافية.

وتشمل القائمة منطقة ألاسكا التي باعتها الإمبراطورية الروسية للولايات المتحدة عام 1867، وأعلنت بعد قرابة قرن ولاية أميركية يوم 3 يناير/كانون الثاني 1959.

الولايات المتحدة لم تأخذ خطوة بوتين بجدية، وعلق المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل بعبارة قصيرة وهي “بوتين لن يستعيد ألاسكا”.

لكن معهد دراسة الحرب الأميركي أخذ الأمر بجدية أكبر، فاهتم بتفنيد تصريحات بوتين، وقال إن المعايير الدقيقة لتحديد ما يشكل الممتلكات الروسية غير واضحة.

حرب التصريحات

لم تبق ألاسكا القابعة في أقصى الشمال من العالم بعيدة عن المناكفات السياسية بين الولايات المتحدة وروسيا، وفي منأى عن المساومات، فإضافة لمرسوم بوتين يوم 17 يناير/كانون الثاني 2024، ارتفعت أصوات داخل روسيا تطالب بإجراء استفتاء في ألاسكا بشأن إعادتها إلى كنف روسيا.

وممن صدرت عنهم هذه التصريحات نائب رئيس مجلس الدوما بيوتر تولستوي، وكذا رئيس مجلس النواب الروسي فياتشيسلاف فولودين الذي ربط قضية ألاسكا بموضوع تجميد الأصول الروسية في الخارج، الذي طرحته واشنطن في مناسبات عدة.

الحديث عن ألاسكا بعد مرور عقود على بيعها أتى في أجواء الاستعداد للانتخابات الروسية التي جرت في منتصف مارس/آذار 2024.

ثروات ألاسكا

في البدء أطلق الأميركيون على صفقة شراء ألاسكا اسم “حماقة سيوارد” نسبة إلى وزير الخارجية الأميركي ويليام سيوارد الذي أتمها، بسبب التشكيك في جدوى تلك المنطقة، وعدم إدراك أهميتها الاقتصادية للولايات المتحدة.

لكن اكتشاف مخزون كبير من الذهب في يوكون شمال كندا عام 1884 بدد تلك الشكوك، حيث أصبحت ألاسكا بوابة حقول الذهب في منطقة كلوندايك، مما مثل بداية توجه الأنظار نحو ألاسكا، وما تخزنه من موارد طبيعية.

وبدأ الطامحون بتحقيق ثروات سريعة بالتوجه إلى الولاية البعيدة المعزولة، لكنهم لم يجنوا ما كانوا يطمحون إليه بالسرعة التي كانوا يأملونها، بسبب تباطؤ نمو المنطقة وتطورها، فبدأ الإحباط ينتاب هؤلاء وشهدت المنطقة هجرة عكسية.

وبين عامي 1920 و1940 شهدت ألاسكا اهتماما محدودا من قبل الإدارة الأميركية، فوضعت خططا للحفاظ على مواردها الطبيعية من سمك السلمون والفقمة والحيوانات التي يُباع فراؤها بأثمان باهظة، وأظهرت الاهتمام بالرعاية الطبية للسكان، وأنشأت بنى تحتية متقدمة وطورت خطوط النقل، وتأسست الجامعات ووصل إليها إرسال الراديو مما جعل سكانها يشعرون بالمزيد من الاهتمام ويفضلون الاستقرار فيها.

شهدت ألاسكا عام 1941 تحولا كبيرا لم يكن ناجما عن اكتشاف ثروات جديدة، إذ أصبحت تتخذ أهمية عسكرية وإستراتيجية، مما دفع الإدارة الأميركية لإنشاء طريق ألاسكا السريع الذي افتتح عام 1942 بطول 2574 كيلومترا، ليربطها بمجموعة من المطارات، مما جعل المنطقة مقصدا لآلاف العمال في المجالات العسكرية والمدنية.

وبقي الاقتصاد في ألاسكا يتأرجح بين النمو والتباطؤ حتى عام 1968، الذي مثل طفرة اقتصادية للولاية، حين اكتشف النفط في على ساحل القطب الشمالي، واكتمل بناء خط أنابيب الحقل الذي يبلغ طوله 1300 كيلومتر عام 1977.

وبدأت عائدات هذه الثروة الكبيرة تظهر على ألاسكا وسكانها تدريجيا، ففي عام 1980 وقع حاكم الولاية جاي هاموند مشروع قانون لإنشاء صندوق ألاسكا الدائم لتوزيع أرباح الولاية على سكانها، وصُرفت أولى دفعات هذا الصندوق عام 1982 بقيمة 1000 دولار أميركي لكل مواطن.

تحتوي ألاسكا أيضا على نصف احتياطيات الولايات المتحدة من الفحم، كما تملك أكبر مناجم الفضة والزنك، إضافة لما تضمه من ذهب في جداولها وجبالها، مما يجعلها مقصدا لعمال المناجم والمستثمرين.

المعادن ليست المصدر الوحيد الذي يجعل ألاسكا ولاية غنية يتمتع سكانها برفاهية معيشية عالية، إذ تعد السياحة قطاعا اقتصاديا مهما وثاني أكبر موارد الولاية، فهي تجذب سنويا أكثر من 1.1 مليون زائر.

يضاف إلى ذلك الصيد والثروة السمكية، إذ إن سواحل ألاسكا تعد أفضل مصادر المأكولات البحرية والبرية على مستوى العالم، ويصل مجمل غنيمة الصيد من المأكولات البحرية إلى 6 مليارات رطل، تتصدرها أسماك السلمون.

وتضم ألاسكا كذلك غابات تصل مساحتها إلى 28 مليون فدان، إضافة لجمالها الذي يجذب السياح، فهي مصدر مهم لصناعة الأخشاب.

كما تحتوي على 15 مليون فدان من المساحات الصالحة للزراعة، ويعيش فيها 19 نوعا من الحيوانات التي تحمل على ظهرها أغلى أنواع الفراء في العالم.

مقالات ذات صلة

https://shop.aldakheeloud.com/ متجر الدخيل للعود
زر الذهاب إلى الأعلى