عبد الحميد الدبيبة.. مهندس ورجل أعمال يقود الحكومة الليبية
عبد الحميد الدبيبة مهندس تخطيط ورجل أعمال ليبي، من مواليد عام 1959، عمل في مجال التجارة ثم تولى رئاسة جهاز تنمية تطوير المراكز الإدارية في بلاده، حيث أشرف على إنجاز الكثير من المشاريع في مجال البناء عمت مختلف مناطق ليبيا، وهو المنصب الذي ظل يشغله إلى حين اندلاع الثورة الليبية، انتخب رئيسا لحكومة الوحدة الوطنية عام 2021.
المولد والنشأة
ولد عبد الحميد الدبيبة يوم 13 فبراير/شباط 1959 في مدينة مصراتة شرق العاصمة الليبية طرابلس لأسرة ثرية لها تاريخ طويل في مجال التجارة.
الدراسة والتكوين
تلقى تعليمه في مسقط رأسه ثم في معهد الهندسة التطبيقية (القسم الداخلي) بطرابلس، ثم توجه إلى كندا والتحق بجامعة تورنتو لدراسة الهندسة المعمارية وتقنيات التخطيط والبناء، وتوج نهاية دراسته بالحصول على الماجستير، ثم عاد إلى بلده حيث بدأ مسيرته المهنية.
المسار المهني والسياسي
بعد عودته من الدراسة انخرط في العمل بمجال البناء مع ابن عمه رجل الأعمال علي الدبيبة، ثم دخل القطاع الحكومي، فتولى رئاسة جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية الذي يتبع لصندوق الإنماء الاقتصادي والاجتماعي من عام 1989 حتى 2011.
وأنجز هذا الجهاز الكثير من المشاريع في مجال البناء تمثلت في تشييد مطارات وملاعب وتمديد شبكات مياه وفنادق.
يتهمه بعض خصومه بأنه كان يتربح من الاستثمار والبناء في عهد الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، لكنه أكد أن عائلته معروفة بنشاطها التجاري وأنه عمل مع نظام القذافي مهندسا وليس سياسيا، وقال إنه عمل “من أجل البناء”، وإنه سيفعل تحت أي نظام لأن “هدفه بناء ليبيا”.
واصل عبد الحميد الدبيبة نشاطه التجاري بعد سقوط القذافي، وكان يرأس مجلس إدارة الشركة الليبية للتنمية والاستثمار القابضة (لدكو) ورغم أن مجال التجارة طغى على حياته وعُرف به فإن له إسهاما في مجال الرياضة، إذ ترأس نادي الاتحاد الليبي لكرة القدم.
لم يكن المهندس الدبيبة معروفا في مجال السياسة قبل الثورة الليبية وإن كان دعمها، لكن اسمه ظل مغمورا ولم يظهر في لائحة القادة السياسيين إلا بعد سنوات.
أنشأ تيارا سياسيا بعد الثورة الليبية باسم “ليبيا المستقبل” سعى من خلاله إلى جمع الشباب والمهتمين بالشأن العام الليبي في إطار واحد لنهضة ليبيا، ويعتبر هذا أول نشاط له في السياسة بشكل علني، وشارك عن طريقه في لقاءات دولية عدة تعنى بالشأن الليبي.
عُرف عن تيار “ليبيا المستقبل” دعمه الاستفتاء على الدستور الذي يعد مطلبا لقوى سياسية فاعلة، مما يعني أن التيار منح المهندس ورجل الأعمال فرصة للتواصل وتبادل الآراء مع مختلف القوى السياسية.
ملتقى الحوار السياسي الليبي
شارك الدبيبة في حوارات ولقاءات عدة جمعت النخب والفاعلين في المشهد الليبي بهدف الخروج بليبيا من الوضع المضطرب الذي عاشته بعد الثورة، خاصة سطوة السلاح على الحوار ومحاولة العبور إلى السلطة على الدبابات لا عن طريق الاقتراع أو التفاهم السياسي.
وفي إطار اللقاءات والحوارات الليبية عقد ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف يوم 5 فبراير/شباط 2021 برعاية أممية، وشاركت فيه 75 شخصية سياسية مؤثرة في المشهد الليبي، واستمرت المفاوضات أشهرا عدة إلى أن توجت بانتخاب الدبيبة رئيسا لحكومة وحدة وطنية بـ39 صوتا من أصل 73.
من جنيف ظهر المهندس بخطاب سياسي وُصف بالقوي، إذ شدد على ضرورة المصالحة الوطنية وإشراك الجميع في بناء ليبيا الجديدة، وأكد أنه سيعمل على حصر السلاح في أيدي الدولة وعلى أن تكون أجهزة الأمن مهنية، إضافة إلى وعوده في مجال الخدمات، خاصة قضية حل مشكلة الانقطاع المتواصل في الشبكة الكهربائية، كما تعهد بإعادة المستثمرين الأجانب الذين هاجروا بسبب تردي الوضع الأمني.
انطلق الدبيبة بعد اختياره رئيسا للوزراء لتشكيل حكومته والسعي للحصول على ثقة البرلمان والإعداد لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية يوم 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، وخاض مشاورات مع أطراف عدة وشخصيات اجتماعية ورجال أعمال وقادة تشكيلات عسكرية.
وذهب شرقا إلى مدينة طبرق وألقى خطابا وُصف بأنه “ألهب مشاعر شيوخ وحكماء طبرق” حينما خاطبهم قائلا “جئت إلى مدينة السلام وفي قلبي السلام وفي يدي السلام، ونريد السلام لجميع مناطق الوطن، وكفانا حروبا واقتتالا، نريد بناء مشروعات لجميع الأجيال”، مؤكدا على ضرورة طي صفحة الماضي الذي أدى إلى موت كثير من الشباب.
وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهت تشكيل حكومة الدبيبة فإنه استطاع الحصول على أغلبية كبيرة منحته الثقة، إذ صوت لحكومته 132 نائبا من 133 ممن حضروا الجلسة المنعقدة في مدينة سرت جنوبي ليبيا، وضمت الحكومة 27 وزيرا و6 وزراء دولة، بينهم 5 نساء.
وإذا كان الدبيبة قد حرص على تشكيل حكومة موسعة لتسيير مرحلة انتقالية دقيقة فإن البعض اعتبر أن ذلك قد يؤدي إلى ترهل العمل والحد من الفاعلية في وقت تحتاج فيه البلاد إلى فريق متجانس ومحدود، ولاقت حكومته ترحيبا واعترافا من مختلف أطياف المجتمع الليبي.
وعلى المستوى الدولي، اعتبرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا التصويت على حكومة الدبيبة “فرصة حقيقية للمضي قدما نحو الوحدة والاستقرار والمصالحة واستعادة ليبيا سيادتها بالكامل”.
الأزمة بعد الثورة
شكّل اختيار الدبيبة رئيسا للحكومة بناء على مخرجات الملتقى السياسي في جنيف -الذي رعته الأمم المتحدة– وتزكية من البرلمان وصفت بالإجماع أملا في عودة الاستقرار إلى البلاد، لكن بعض النواب المحسوبين على اللواء المتقاعد خليفة حفتر في طبرق حاولوا سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية، وهي الخطوة التي وصفها بعض النواب الذين حضروا الجلسة بـ”غير الشرعية” وشككوا في عدد الذي أعلن عن حضورهم الجلسة.
وعلق الدبيبة على قرار نواب طبرق بأنه “لن يترك الحكومة قبل إجراء انتخابات واختيار سلطة جديدة”، وكثفت الدول الصديقة لليبيا اتصالاتها من أجل ردم الهوة بين الفرقاء وتقريب وجهات النظر، وتدخلت الجامعة العربية لأول مرة في الأزمة الليبية، إذ ترأس أمينها العام أحمد أبوالغيط لقاء ضم بعض أطراف الأزمة الليبية لمحاولة تقريب وجهات النظر.
وكان المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي قد أعلن عن مواصلة مشاوراته مع أعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وأكد أنه ناقش مع الدبيبة الوضع السياسي والأمني والاقتصادي في ليبيا والسبل الكفيلة بدفع العملية السياسية إلى الأمام من خلال التوصل إلى تسوية سياسية.
ورغم استمرار الأزمة فإن مهندس التخطيط -الذي يقول عن نفسه “إنه لا يجيد فن المصطلحات السياسية المراوغة”- ظل في قيادة رئاسة حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا، ويؤكد أنها نجحت في حل الكثير من المشاكل وأنها قدمت وتقدم للمواطن الليبي ما يعزز استقراره.