مدينة صنعاء القديمة تاريخ وحضارة
تتمثل صنعاء القديمة واحدة من أبرز المدن التاريخية والمأهولة باستمرار، منذ القرن الخامس قبل الميلاد، وتعتبر قبلة للسياح، بما هي إحدى الكنوز الأثرية المليئة بالمعالم والمباني االمتفردة بجمالها وتاريخها.
وفقاً للمراجع المتعددة، اعتباراً من القرن الأول للميلاد، أصبحت صنعاء عاصمة مؤقتة لمملكة سبأ بعد استعادة أسر من قبيلة همدان للعرش السبئي من الحميريين وجاء ذكرها في نصوص المسند بصيغة صنعو وهي مشتقة من “مصنعة” وتعني حصن في العربية الجنوبية القديمة.
وتحولت المدينة في القرنين السابع والثامن إلى مركز هام لنشر الإسلام، فحافظت على تراث ديني وسياسي يتجلى في 106 مساجد و21 حماماً و6500 منزل تعود إلى ما قبل القرن الحادي عشر. أما المساكن البرجية المتعددة الطبقات ومنازل الآجر القديمة فتزيد الموقع جمالاً.
تتميز مدينة صنعاء القديمة بطراز معمارها القديم الذي يمتلك زخارف غنية توجد بأشكال ونسب مختلفة مثل كتل النوب والأسوار والمساجد والسماسر والحمامات والأسواق والمعاصر والمدارس إلا أنه لا يعرف متى تم بناء هذا الطراز المعماري المتأثر بالطراز الحميري.
صمود لقرون طويلة
صمدت صنعاء قروناً طويلة في وجه الحروب والحصار والكوارث، وبقيت معلماً حياً وشاهداً على حضارة عربية إسلامية أصيلة ذات مستوى فني رفيع مزج بين الفن والجمال المعماري ومستجيبة في الوقت نفسه لحاجات سكانها المادية والروحية.
وحتى العصر الحديث بقيت صنعاء تحافظ على إيقاع مريح في التزاوج بين نسيجها المعماري في حالته التقليدية ومتطلبات الحياة العصرية، إلا أنها واجهت أضراراً بالغة بفعل تأثيرات حركة السيارات التي غزت المدينة فسببت انفجارات لأنابيب المياه والصرف الصحي فأحدثت تشرخات في أساسات بعض المباني هذا بالإضافة إلى هدم أسوار المدينة وبعض المعالم القديمة وكذا تخلي عدد من ملاك المنازل والقصور الكبيرة عنها بانتقالهم إلى الأحياء الجديدة.
ولأن مدينة صنعاء القديمة كانت تمثل استمراراً هاماً للقيم الثقافية والتاريخية ورمزاً لبقائها حية كعاصمة تاريخية لليمن الحديث، فقد صدرت قرارات عديدة تهدف إلى حمايتها من الانهيار وكان منها القرار الصادر في عام (1984 ميلادية) الخاص بإنشاء لجنة للحفاظ على مدينة صنعاء القديمة وتحسينها، وكان من أهم مهامها العمل على وقف مظاهر التدهور والانهيارات واستعادة حيويتها وجمالها ثم تطورت اللجنة إلى هيئة عامة للحفاظ على مدينة صنعاء.
أسوار وأبواب مدينة صنعاء القديمة:
تعد الأسوار من أساسيات البناء المعماري القديم لجملة من الأسباب منها ما يتعلق بإكساب المدينة مظهراً جمالياً خارجياً ومنها ما يتصل بالوقوف في وجه متغيرات العوامل الطبيعية كالكوارث من فيضانات وسيول وعواصف، وكذلك حماية المدن عند تعرضها للغزو والعدوان حيث تعد الأسوار حائطاً دفاعياً صلداً للوقوف بثبات في وجه المعتدين وتعزيز الصمود والمقاومة.
ولصنعاء المدينة التاريخية سور منيع محيط بها من جميع الجهات الأربع وبدايات هذا السور موغلة في القدم حيث يتبين أن أول من أقام السور هو الملك السبئي ” شعرم أوتر” الذي حكم خلال (الربع الأخير من القرن الثاني الميلادي إلى الربع الأول من القرن الثالث الميلادي).
حيث أورد مؤرخ اليمن العالم الموسوعي الهمداني في موسوعته كتاب الإكليل بأنه هو أول من أحاط صنعاء بحائط، ويؤيد صحة ذلك العثور على نقش خاص بالملك ” شعرم أوتر ” ذكرت فيه مدينة صنعاء كالتالي (جنأ / صنعاء) وكلمة ” جنأ ” في النقوش القديمة المسندية معناها السور.
وللسور القديم أربعة أبواب رئيسية هي على النحو التالي:
1 -باب اليمن: وهو باب ينفذ إلى الجهة الجنوبية وما كان جنوباً يسمى يمناً عند الأقدمين لوقوعه على
يمين الكعبة المشرفة، وقد عُرف باب اليمن بأسماء أخرى لم تكتسب شهرة التسمية الأصلية مثل (باب عدن)، (باب غمدان)، (باب الحرية) والأخير عقب قيام الثورة اليمنية.
ويعد باب اليمن أجمل أبوابالمدينة صنعاً، وأكثرها عرضاً وترتيباً، وهو الباب الوحيد المتبقي بصورة سليمة ولم يتعرض للهدم والتخريب كبقية الأبواب الأخرى.
2 -باب شعوب: وهو باب ينفذ إلى حي شعوب في الجهة الشمالية.
3 -باب ستران: وهو باب يؤدي وينفذ إلى الجهة الشرقية باتجاه القلعة وجبل نقم وعُرف باسم آخر هو (باب القصر).
4 -باب السبحة: وهو باب ينفذ إلى الجهة الغربية باتجاه الحقل وحي بئر العزب، وسمى أيضاً (باب
السبح)، أما الأبواب الأخرى غير الرئيسية فهي:-
* باب خزيمة: – وهو باب باتجاه الجنوب يؤدي إلى مقبرة خزيمة، وهو تابع للسور الخاص بحي بئر
العزب.
* باب الشقاديف: – وهو باب باتجاه الشمال ويعُرف أيضاً باسم (باب الحديد) ويتبع هذا الباب السور الخاص بحي بئر العزب.
* باب البلقة:- وهو باب باتجاه الجنوب وهو أصلاً جزء من السور الخاص بمنطقة قاع اليهود.
* باب الروم:- وهو باب باتجاه الشمال الغربي يتبع السور الخاص بحي بئر العزب.
* باب القاع:- وهو الباب الآخر للسور الخاص بمنطقة قاع اليهود.
والأبواب السالفة الذكر هي أبواب لأسوار خاصة بحي بئر العزب وقاع اليهود اللذين أنشآ نتيجة للتوسع
خارج إطار مدينة صنعاء القديمة المسورة وذلك خلال عهد الأيوبيين ومن بعدهم العثمانيين الأتراك، ونظراً لسماكة ومناعة جدار السور القديم فقد كان سطح السور يتسع لتمشي فيه ثمانية خيول مجتمعة، وذلك وفقاً لمشاهدة الرحالة الإيطالي ” الوم كوستا ” في (القرن التاسع هجري)، كما توجد ممرات في وسط السور يمكن لفارسين أن يمشيا مجتمعين معاً أثناء التجوال والحراسة، كما استعمل الممر نفسه لمرور عربات المدافع القديمة في حالات الدفاع عن المدينة لحمايتها من العدوان.
المراحل التاريخية للسور
يمكن أن نؤرخ للسور وفقاً للمراحل المختلفة التي مر بها بنائه وذلك لم تقتضيه احتياجات التوسع وازدهار النشاط الاقتصادي والزيادات السكانية، كذلك أعمال الترميم والإصلاحات التي تمت كنتيجة للأضرار التي لحقت بالسور بسبب التقادم والعوامل الطبيعية والمناخية.
وبسبب التدمير والعبث الذي يقوم به الإنسان لعوامل عدة منها ما يتصل بالجهل والتخلف مما يجعل البعض يقوم بتخريب أجزاء من السور أو البناء في موقع السور، ومنها ما يتصل بأعمال الحروب والغارات على المدينة وسورها إبان فترات الصراع السياسي الطويل الأمد للسيطرة على مدينة صنعاء نظراً لأهميتها من حيث موقعها ودورها التاريخي.
ويمكن ذكر مراحل بناء السور القديم والإضافات التي تمت، وأعمال الصيانة والترميم وفقاً لما تورده المصادر والمراجع التاريخية ومن المؤكد أن هنالك أعمال بناء لأجزاء من السور أ ترميمات لم يرد ذكرها وذلك كما يلي:
– السور القديم بأبوابه الأربعة المعروفة والسالف ذكرها وقد بناه وفقاً لما ورد سابقاً الملك السبئي ” شعرم أوتر ” في حوالي أواخر (القرن الثاني الميلادي)، بداية الربع الأول من (القرن الثالث الميلادي).
– المراجع التاريخية تشير إلى أن أول من قام بترميم سور صنعاء القديم وإعادة بناء أجزاء منه بالحجر والجص الملك ” علي بن محمد الصليحي “، وركب عليه (سبعة أبواب) وكان ذلك في (القرن السادس الهجري).
– في عهد الدولة الأيوبية:- عند معرفة وسماع السلطان ” علي بن حاتم الهمداني ” أحد حكام دولة بن حاتم بقدوم ” توران شاه الأيوبي ” إلى صنعاء في سنة (570 هجرية) قام بهدم السور وتكسير خنادقه، وفقاً لرواية المؤرخ ” الحسن بن علي الخزرجي ” التي أوردها في كتابه (المسجد المسبوك لمن ولي اليمن من الملوك)، وذلك بهدف جعل الأيوبيين مكشوفين عند دخولهم المدينة مما يمكن بني ” حاتم ” من شن غارات سريعة وخاطفة بما يشبه حرب العصابات وقد قام السلطان ” طغتكين الأيوبي ” بإعادة بناء السور في أواخر (القرن السادس الهجري).
كما تم التوسع في العصر الأيوبي حيث امتدت باتجاه الغرب فيما عُرف ببستان السلطان فقد قام السلطان ” طغتكين الأيوبي ” بتسوير الجزء المستحدث ووصله بسور المدينة القديمة، بحيث أصبحت السائلة محصورة بين السورين، ويبلغ عرض السائلة حوالي (30 متراً) وقد تم توصيل جزئي المدينة بواسطة خنادق فوق السائلة وذلك لتسني مرور الناس وأمتعتهم – خاصة في الفترات التي تكون السائلة مليئة بمياه الأمطار -.
– في عهد العثمانيين الأتراك: فقد تم استحداث حي بئر العزب وتسويره، كما قاموا بعمل سور يضم منطقتي “بئر العزب” و “قاع اليهود ” عندما دخل حي قاع اليهود ضمن منطقة بئر العزب وكان هذا السور مبنياً من الطين والحجارة بارتفاع (أربعين قدماً) وفتحت بهذا السور العديد من الأبواب منها باب خزيمة في الجهة الجنوبية الشرقية وباب الشقاديف في الجهة الشمالية الشرقية، وباب الروم في الجهة الشمالية وباب القاع في الجهة الغربية، وباب البلقة في الجهة الجنوبية.
ويلتقي سور مدينة صنعاء القديمة بسور حي بئر العزب في الضلع الشمالي عند باب شعوب، وفي حوالي عام (1036 هجرية) قام الوالي العثماني ” محمد باشا ” بترميم سور مدينة صنعاء القديمة وإعادته على ما كان عليه، كما قام العثمانيون بترميم باب البلقة وإعادة بناؤه ما بين (1871 – 1879 ميلادية) وفي الفترة ما بين (1875 – 1880 ميلادية) قاموا كذلك بترميم باب اليمن.
ويبلغ طول السور (السور القديم + سور حي بئر العزب) حوالي (5 أميال) وفقاً لتقديرات أوردها المؤرخ ” محمد بن أحمد الحجري ” في كتابه مجموع بلدان اليمن وقبائلها، وقد بُني السور بكتل من الطين والحصى والتي تُعرف محلياً بالزابور وللسور أبراج مدورة يبلغ عددها حوالي (128 برجاً)، يبعد كل برج عن الآخر مسافة قدرها (50 متراً).
المعمار في صنعاء
تبدو مدينة صنعاء وكأنها كائن عضوي ينمو ويمتد في الاتجاهين الأفقي والرأسي بطراز معمارها القديم الذي يمتلك زخارف غنية توجد بأشكال ونسب مختلفة مثل كتل النوب والأسوار والمساجد والسماسر والحمامات والأسواق والمعاصر والمدارس التي تجعل منها مدينة حيَّة تلبي المتطلبات الأساسية للإنسان وتشكل مجتمعة أو منفردة تراثاً معمارياً خالداً يحكي قصة تاريخها التليد الذي لم ينحن أمام التيارات المعمارية الحديثة إلا أنه لا يعرف متى تم بناء هذا الطراز المعماري المتأثر بالطراز الحميري، فأحد أبنيتها قائم في مكانه منذ (سبعة قرون) تقريباً.
مساجد صنعاء
من معالم مدينة صنعاء القديمة مساجدها وقد ذكر الرازي في كتابه عن صنعاء بأن عددها 106 مساجد ولم يبق منها مفتوحاً سوى 40 مسجداً، عامرة بالجماعات في الفروض الخمسة، وقد أضيف لكل مسجد منها حنفيات للوضوء واختفت في بعض المساجد المطاهير مثل الجامع الكبير، أما المساجد التي بنيت بعد قيام الثورة والجمهورية وإعادة توحيد اليمن فقد تجاوزت المأتيين للجمعة والجماعة وفيها أجنحة للنساء، وتحتوى على الحمامات الحديثة وليس فيها مطاهير للوضوء وفرشت بالسجاد الجميل.
فمنذ ظهور الإسلام واعتناق الناس الإسلام ومنهم اليمنيون بدأ اهتمام الناس ببناء المساجد لمتواضعة البسيطة الملائمة للبيئة آنذاك، وخلال فترة ازدهار الدولة الإسلامية تطورت المفاهيم واتسعت المدارك وارتفع الوعي برفع مكانة وشأن المسجد وأصبح المسلمون يتنافسون في بناء المساجد واهتموا بطرق بنائها وتخطيطها وزخرفتها باعتبارها بيوت الله كما أن المساجد قديماً كانت تستخدم في شتى الأغراض الدينية والدنيوية مثل إقامة حلقات التدريس والموعظة فيدرسون الفقه والتفسير والحديث وغيره من العلوم.
ومن المميزات العامة التي يتميز بها الفن العربي الإسلامي في مجال العمارة والزخرفة التنويع في الزخرفة، وشموليتها، وتغطيتها للفراغات، إن مثل هذه الميزات جعلت من الفن العربي الإسلامي شخصيته المميزة، وكونت له طابعاً عاماً ووحدة فنية تستطيع التعرف عليه أينما وجد بيسر سواء أكان في مصر أو اليمن أو سوريا أو الجزائر… سواءً من القرن الثامن أو القرن الـ16 الميلادي..، ومرد ذلك بالطبع إلى وحدة العقيدة والحضارة والثقافة.
وتعتبر عمارة المساجد أحد فنون العمارة العربية الإسلامية في اليمن ولكي نتمكن من تسليط الضوء على الفن المعماري في تصاميم المساجد القديمة اخترنا نموذجيين من المساجد القديمة في صنعاء، الجامع الكبير وقبة البكيرية لاختلاف حقبة نشأة كل منهما، وقمنا بزيارتها ورجعنا إلى عدد من المراجع لإجراء تحقيقات عنها.
في قائمة التراث العالمي
ونظراً لمكانتها في التراث العالمي الإنساني تبنت المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) حملة دولية لحماية وتحسين مدينة صنعاء القديمة والحفاظ على معالمها وطابعها المعماري الفريد وتطوير الخدمات وإبراز التراث الحضاري فيها.
أتخذ المؤتمر العام لليونسكو في دورته المنعقدة في بلجراد عام 1980، قراراً يشمل قيام حملة دولية لصيانة مدينة صنعاء القديمة، وقد شارك في تمويل الحملة عدد من الدول الصديقة، وكان من أهداف الحملة، حماية المدينة والقيام بدراسات عميقة لتراث المدينة وتقاليدها وإعادة المباني الرئيسية فيها، فقد تم ترميم أجزاء من السور المحيط بالمدينة الذي تعرض للانهيار، وترميم عدد من المنازل الآيلة للسقوط، وترميم باب اليمن كاملاً، واستكمال عمليات الصرف الصحي وترميم السايلة وغيرها.
كل ذلك إلى جانب تنظيم عددكبير من الندوات والملتقيات العلمية قدمت فيها دراسات وأبحاث علمية متخصصة لعدد كبير من الباحثين والمتخصصين المحليين والدوليين والتي انتهت بالخروج بتوصيات تهدف إلى دعم الحملة الدولية وإنجاح صيانة المدينة.
أمَّا تخطيط المدينة فيعتمد أساساً على نظام الحارات فالبنايات رغم أنها تبدو متلاصقة عن بعد إلا أن الأزقة تخترقها بطريقة منظمة، بحيث يكون في كل حارة مسجد وأمامه بستان (مقشامة) يمَّول سكان الحارة بما يحتاجونه من خضر وفاكهة، وشوارع المدينة ضيقة، وهي تصب في الأسواق وكثافة السكن حولها عاليةجداً، كما أن تخطيط المدينة يقـوم على أساس نظام الطوابق المتعددة.