خطوط التضامن.. ترانيم الحروف من المغرب الأقصى إلى المسجد الأقصى
الرباط – لم يمنع بعد المسافة شيخ الخطاطين المغاربة أحمد نوالي بن دحمان من السفر من مدينة وجدة شرق البلاد للمشاركة في افتتاح معرض “ترانيم الحروف من الأقصى إلى الأقصى” بمقر وكالة بيت مال القدس الشريف بالعاصمة الرباط.
وشارك شيخ الخطاطين الذي يعيش عقده التاسع ضمن هذه الفعالية بلوحة كتب فيها بالخط المغربي المجوهر الدقيق على ورق مقهر آية من سورة يوسف واختار لها عنوان “فرج الله قريب”.
والخط المغربي المجوهر هو خط دقيق تتميز حروفه بصغرها وتقاربها وتشبه في تناسقها عقد الجوهر.
وإلى جانب بن دحمان، يشارك 20 خطاطا وزخرفيا من أجيال ومناطق مغربية مختلفة في هذا المعرض بلوحات في فن الخط المغربي وفن الحروفية والزخرفة المغربية موضوعها المشترك القدس الشريف.
وحملت هذه الأعمال الفنية المتنوعة رسائل تضامن ومحبة وتعاطف مع الفلسطينيين، وأبرزت تمسك المغاربة وتعلقهم بالقدس والمسجد الأقصى.
ولأول مرة يجمع معرض فني هذا العدد من الخطاطين والزخرفيين الذي حظوا بتكريم ملكي في السنوات المنصرمة بالنظر لتميز أعمالهم الفنية، وذلك بمبادرة من ملتقى الرباط لإحياء الموروث الثقافي والفني.
حروف تضامن
ينقسم المعرض الذي يستمر إلى نهاية شهر رمضان إلى قسمين، يعرض في الأول اللوحات المشاركة، وفي القسم الثاني الأدوات الفنية التي يستعملها الخطاطون والزخرفيون خلال عملهم من حبر وورق وأقلام وغيرها، وهو مفتوح لاستقبال الجمهور العام وأطفال المدارس.
وقال محمد سالم الشرقاوي المدير المكلف بتسيير وكالة بيت مال القدس الشريف، إن هذا المعرض هو التفاتة من نخبة من الخطاطين والحروفيين والزخرفيين تضامنا مع الأشقاء الفلسطينيين، مشيرا في حديث مع الجزيرة نت إلى أن هذه الفعالية تأتي بعيد أسابيع من المبادرة الملكية لإرسال مساعدات إنسانية إلى غزة والقدس برا، ومعتبرا أن هذ المبادرات “تنم عن تضامن مبدئي وثابت للمغاربة مع إخوانهم الفلسطينيين”.
ولفت المتحدث إلى أن اللوحات المعروضة تحمل نبرات تضامن من خلال صور ومشاهد في أذهان المغاربة عن قبة الصخرة والمسجد الأقصى وحارة المغاربة، كما تحمل مشاعر جياشة إزاء الفلسطينيين الذي يتعرضون لظروف صعبة جدا في هذه المرحلة.
وأضاف أن هذا المعرض مفتوح في وجه الجمهور العام لتكريس هذا التضامن لدى فئات البالغين الراشدين وأطفال المدارس الذين يزورونه بانتظام.
وفي نهاية رمضان سيتم بيع هذه اللوحات في مزاد يخصص مدخوله لتمويل الأنشطة الثقافية التي تسهر على تنفيذها وكالة بيت مال القدس في القدس الشريف.
وأوضح الشرقاوي أن الوكالة تتيح للنخب المغربية من خلال مثل هذه المبادرات، المساهمة في تمويل المشاريع عبر ريع أعمالهم الفنية من رسومات ومنحوتات وصور، وهي كما يؤكد مظهر من مظاهر دعم القضية الفلسطينية بالعمل والفعل وليس فقط بالأقوال.
وأضاف الشرقاوي “هذا تجسيد عملي للمشاريع التي تنفذها الوكالة في القدس من خلال حضورها اليومي بين أوساط المقدسيين، إنه لا يرقى إلى حجم طموحاتنا وانتظاراتنا ولكنه متواصل ومستمر وله أثر ملموس بدأ يظهر على المؤسسات الفلسطينية في القدس”.
فضائل القدس
بالنسبة لإدريس دريسي رئيس ملتقى الرباط لإحياء الموروث الثقافي والفني، فإن هذا الحدث الفني هو استمرار لحدث بدأ مع “الربعة المغربية”، وهي نسخة من القرآن الكريم خطها السلطان علي أبو الحسن المريني بيده وأهداها للمسجد الأقصى عام 745 هجرية ولا تزال محفوظة في المتحف الإسلامي بالمسجد حتى اليوم.
وقال للجزيرة نت إن فنون الخط المغربي والحروفية والزخرفة تراث مغربي أصيل، وقد شهد انتشارا في السنوات الأخيرة بفضل إطلاق جوائز وطنية وتكريمات ملكية للمبدعين في هذه المجالات الفنية، مما شجع الشباب على الاهتمام بها وتعلمها وتعليمها.
وأحدثت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية جائزة محمد السادس لفن الخط المغربي سنة 2007 لمكافأة أجود الخطاطين المتفوقين في رسم الخط المغربي وفنونه اعترافا بمجهوداتهم في الحفاظ عليه والتعريف به ونشره، وتشجيعا لهم على تجديده وتطويره.
وفي 2014 أحدثت جائزة وطنية سنوية تحت اسم “جائزة محمد السادس لفن الزخرفة المغربية على الورق” لمكافأة أجود المزخرفين المغاربة في فن زخرفة الحواشي، وفي 2017 أطلقت جائزة محمد السادس لفن الحروفية بهدف تكريم الرواد المبدعين الممارسين لفن الحروفية والنقاد المؤلفين والباحثين علميا وأكاديميا في هذا المجال، وإلى تحفيز المتفوقين والمتميزين في هذا الفن وتشجيع الممارسين الموهوبين.
وفن الحروفية هو أسلوب فني يمزج ما بين أشكال الخط العربي والفنون التشكيلية، أما فن الزخرفة المغربية على الورق فهو فن يعتمد على عناصر نباتية وخطية وهندسية ترتكز على قواعد مثل التكرار والتماثل والتناوب والتقابل والتعاكس.
وأبرز دريسي أن قضية فلسطين تحظى بمكانة لدى النخبة الفنية، وهذا المعرض هو مناسبة لإبراز تعلق المغاربة وارتباطهم بالقدس وصلة القرب والقرابة التي تجمعهم بفلسطين، لذلك حرص المبدعون في هذه المجالات الفنية على المشاركة في هذا المعرض وحضور افتتاحه لتقديم لوحات عن فضائل القدس الشريف وعن المسجد الأقصى كما يتمثلونه في أذهانهم ووجدانهم.
وأوضح أن تبرعهم بلوحاتهم لوضعها في مزاد يذهب ريعه إلى القدس هو بمثابة دعم معنوي من أهل المغرب الأقصى إلى المسجد الأقصى.